«المعتقدات الراسخة الخاطئة أخطر من الأكاذيب» مقولة شهيرة للفيلسوف نيتشه تصلح أن تكون مفتاحاً لقراءة كتاب مهم صدر مؤخراً بعنوان «ممنوع الاقتراب.. التحرر من الموروث» تأليف أحمد صلاح الدين عن دار كتابى. الكتاب محاولة لاستثارة واستفزاز غدة التفكير النقدى والعصف الذهنى وغربلة الأفكار الثابتة التى طالما حسبتها بديهيات ووضعتها فى خانة المقدسات الفكرية التى لا تُمس وهى فى الحقيقة معظمها أفكار من عيّنة المناديل الورقية التى تُستخدم لمرة واحدة فقط ثم تُلقى فى سلة المهملات، وكما قال نيتشه أيضاً: «من المؤكد أن للأوهام لذة مكلفة غير أن تقويض الأوهام أكثر كلفة»، الكتاب تلخيصه صعب لأنه رحلة طرح أسئلة ومحاولة حرث لأرض فكرية تصحّرت وصارت بوراً من غياب مطر التجديد وجفاف آبار الإبداع، يسأل الكاتب فى البداية: هل عقلك هو الذى يسيّرك ويقودك أم هى العادة؟ وهل هو عقلك أم عقل الجماعة؟ هل أنت الذى تفكر أم أنك تحولت إلى صدى للآخرين؟ هل لأن الفكرة منتشرة هى بالضرورة صادقة وحقيقية؟ من الذى يصنع يقينك، هل هو بحثك الدائب عن الحقيقة أم هو جاذبية الجماعة والخوف من الوحدة؟ يحاول الكاتب حثنا على الإجابة من خلال لقطات من مجتمعنا خاصة فى مجال التعليم فينتقد خرافة ما يطلق عليه الإجابة النموذجية وكليات القمة والمتفوق الحافظ... إلخ، اسأل نفسك قبل أن تبذل جهداً فى المذاكرة أو البحث، هل أنت تبحث عن الحقيقة أم تبحث عما يدعم وجهة نظرك فقط؟! استعرض الكاتب أنواع اليقين الذى ليس بالضرورة عنوان الحقيقة، هناك يقين السلطة وهناك يقين الحل السهل المريح ويقين الانتماء إلى جماعة ويقين الموروث ويقين الثقة ويقين الصدفة، أنواع يقين مختلفة ومتعددة كلها تؤدى فى النهاية إلى باب الراحة النفسية الزائفة بالبعد عن وجع الدماغ الذى يسمى فكراً، يستفيد الكاتب أحمد صلاح الدين من ثقافته وتعدد رحلاته فيدون ملاحظات متفرقة عن بلاد زارها وعرفها استطاعت صناعة الضمير وكتابة مدوّنة سلوك وأخلاقيات رفيعة راقية بالرغم من أنها بمقاييسنا الشرقية مجتمعات غير ملتزمة دينياً، يناقش الكاتب من خلال طرح أسئلة مثل: هل الضمير يمكن صناعته؟ وهل لا بد أن يكون الدين فقط هو منبع الأخلاق؟ وهل مَن يطلق عليهم أتباع الديانات الأرضية مثل البوذيين والشنتو والهندوس هم بالضرورة وبالتبعية أصحاب أخلاق أرضية منحطة؟! فى نهاية الكتاب يستعرض خريطة الأديان فى العالم حتى يطلع القارئ على ثقافات الآخرين ويعرف أن العالم لا يقتصر على قوقعته المغلقة وصدفته الصلبة وجيتو العزلة الذى يجتر فيه أفكاره وأساطيره وأوهامه.